أرجو رحمتك مشرف
عدد المساهمات : 91 تاريخ التسجيل : 26/02/2010
| موضوع: أسماء الاشارة ابن القيم الجوزى الأحد مارس 28, 2010 5:05 am | |
| الإسم من هذا الذال وحدها دون الألف على أصح القولين بدليل سقوط الألف في التثنية والمؤنث وخصت الذال بهذا الإسم لأنها من طرف اللسان والمبهم مشار إليه فالمتكلم يشير نحوه بلفظه أو بيده ويشير مع ذلك بلسانه فإن الجوارح خدم القلب فإذا ذهب القلب إلى شيء ذهابا معقولا ذهبت الجوارح نحوه ذهابا محسوسا والعمدة في الإشارة في مواطن التخاطب على اللسان ولا يمكن إشارته إلا بحرف يكون مخرجه من عذبة اللسان التي هي آلة الإشارة دون سائر أجزائه فأما الذال أو التاء فالتاء مهموسة رخوة فالمجهور أو الشديد من الحروف أولى منها للبيان والذال مجهورة فخصت بالإشارة إلى المذكر وخصت التاء بالإشارة إلى المؤنث لأجل الفرق وكانت التاء به أولى لهمسها وضعف المؤنث ولأنها قد ثبتت علامة التأنيث في غير هذا الباب ثم بينوا حركة الذال بالألف كما فعلوا في النون من أنا وربما شركوا المؤنث مع المذكر في الذال فاكتفوا بالكسرة فرقا بينهما وربما اكتفوا بمجرد لفظ التاء في الفرق بينهما وربما جمعوا بين لفظ التاء والكسرة حرصا على البيان وأما في المؤنث الغائب فلا بد من لفظ التاء مع الكسرة لأنه أحوج إلى البيان لدلالة المشاهدة على الخاطر فتقول تيك وربما زادوا اللام توكيدا كما زادوها في المذكر الغائب إلا أنهم سكنوها في المؤنث لئلا تتوالى الكسرات مع التاء وذلك ثقيل عليهم وكانت اللام أولى بهذا الموطن حين أرادوا الإشارة إلى البعيد فكثرت الحروف حين كثرت مسافة هذه الإشارة وقللوها حين قلت لأن اللام قد وجدت في كلامهم توكيدا وهذا الموطن موطن توكيد وقد وجدت بمعنى الإضافة للشيء وهذا الموطن شبيه بها لأنك إذا أومأت إلى الغائب بالإسم المبهم فأنت مشير إلى من يخاطب ويقبل عليه لينظر إلى من تشير إما بالعين وإما بالقلب وكذلك جئت بكاف الخطاب فكأنك تقول له لك أقول ولك أرمز بهذا الإسم ففي اللام طرف من هذا المعنى كما كان ذلك في الكاف وكما لم يكن الكاف ههنا اسما مضمرا لم يكن اللام حرف جر وإنما كل منهما طرف من المعنى دون جميعه فلذلك خلعوا من المكان معنى الإسمية وأبقوا فيها معنى الخطاب واللام كذلك إنما اجتلبت لطرف من معناها الذي وضعت له في باب الإضافة وأما دخول هاء التنبيه فلأن المخاطب يحتاج إلى تنبيه على الإسم الذي يشير به إليه لأن للإشارة قرائن حال يحتاج إلى أن ينظر إليها فالمتكلم كأنه آمر له بالإلتفات إلى المشار إليه أو منبه له فلذلك اختص هذا الموطن بالتنبيه وقلما يتكلمون به في المبهم الغائب لأن كاف الخطاب يغني عنها مع أن المخاطب مأمور بالإلتفات بلحظه إلى المبهم الحاضر فكان التنبيه في أول الكلام أولى بهذا الموطن لأنه بمنزلة الأمر الذي له صدر الكلام وعندي أن حرف التنبيه بمنزلة حرف النداء وسائر حروف المعاني لا يجوز أن تعمل معانيها في الأحوال ولا في الظروف كما لا يعمل معنى الإستفهام والنفي في هل وما في ذلك ولا نعلم حرفا يعمل معناه في الحال والظرف إلا كان وحدها على أنها فعل فدع عنك ما شعبوا به في مسائل الحال في هذا الباب من قولهم هذا قائما زيد وقائما هذا زيد فإنه لا يصلح من ذلك إلا تأخير الحال عن الإسم الذي هو ذا لأن العامل فيه معنى الإشارة دون معنى التنبيه وكلاهما معنوي فإن قيل لم جاز أن يعمل فيه معنى الإشارة دون معنى التنبيه وكلاهما معنوي قيل معنى الإشارة تدل عليه قرائن الأحوال من الإيماء باللحظ واللفظ الخارج من طرف اللسان وهيئة المتكلم فقامت تلك الدلالة مقام التصريح بلفظ الإشارة لأن الدال على المعنى إما لفظ وإما إشارة وإما لحظ فقد جرت الإشارة مجرى اللفظ فلتعمل فيما عمل فيه اللفظ وإن لم تقو قوته في جميع أحكام العمل وأصح من هذا أن يقال معنى الإشارة ليس هو العامل إذ الإسم الذي هو هذا ليس بمشتق من أشار يشير ولو جاز أن تعمل أسماء الإشارة لجاز أن تعمل علامات الإضمار لأنها أيضا إيماء وإشارة إلى مذكور وإنما العامل فعل مضمر تقديره انظر وأبصر لدلالة الحال عليه من التوجه واللفظ وقد قالوا لمن الدار مفتوحا بابها فأعملوا في الحال معنى انظر وأبصر ودل عليه التوجه من المتكلم بوجهه نحوها وكذلك هذا بعلي شيخا هود 72 وهو قوي في الدلالة لاجتماع اللفظ مع التوجه وإذا ثبت هذا فلا سبيل إلى تقديم الحال لأن العامل المعنوي خفي يدل عليه الدليل اللفظي أو التوجه أو ما شاكله فائدة العامل في النعت العامل في النعت هو العامل في المنعوت وكان سيبويه إلى هذا ذهب حين منع أن يجمع بين نعتين للإسمين إذا اتفق إعرابهما واختلف عاملاهما نحو جاء زيد وهذا عمرو العاقلان وذهب قوم إلى أن العامل في النعت معنوي وهو كونه في معنى الإسم المنعوت فإنما ارتفع أو انتصب من حيث كان هو الأول في المعنى لا من حيث كان الفعل عاملا فيه وكيف يعمل فيه وهو لا يدل عليه إنما يدل على فاعل أو مفعول أو مصدر دلالة واحدة من جهة اللفظ وأما الظروف فمن دليل آخر قال السهيلي وإلى هذا أذهب وليس فيه نقض لما منعه سيبويه من الجمع بين نعتي الإسمين المتفقين في الإعراب إذا اختلف العامل فيهما لأن العامل في النعت وإن كان هو المنعوت فلولا العامل في المنعوت لما صح رفع النعت ولا نصبه فكان الفعل هو العامل في النعت فامتنع اشتراك عاملين في معمول واحد وإن لم يكونا عاملين فيه في الحقيقة ولكنهما عاملان فيما هو في المعنى وإنما قوي عندنا هذا القول الثاني لوجوه منها امتناع تقديم النعت على المنعوت ولو كان الفعل عاملا فيه لما امتنع أن يليه معموله كما يليه المعمول تارة والفاعل أخرى وكما يليه الحال والظرف ولا يصح أن يليه ما عمل فيه غيره لو قلت قام زيدا ضاربا تريد ضارب زيدا أو ضربت عمرا رجلا ضاربا تريد ضربت رجلا ضاربا عمرا لم يجز فلا يلي العامل إلا ما عمل فيه فكذلك لا يلي كان إلا ما عملت فيه ولذلك نقول خبر إن المرفوع ليس بمعمول ل إن وإنما هو على أصله في باب المبتدأ والخبر ولولا ذلك لجاز أن يليها وإنما وليها إذا كان مجرورا لأنها ممنوعة من العمل فيه بدخول حرف الجر مع أن المجرور رتبته التأخير فلم يبالوا بتقديمه في اللفظ إذ كان موضعه التأخير ولأن المجرور ليس هو بخبر على الحقيقة وإنما هو متعلق بالخبر والخبر منوي في موضعه أعني بعد الإسم المنصوب بإن فإن قيل ولعل امتناع النعت من التقديم على المنعوت إنما هو من أجل الضمير الذي فيه والمضمر حقه أن يترتب بعد الإسم الظاهر قلت هذا ليس بمانع لأن خبر المبتدأ حامل للضمير ويجوز تقديمه ورب مضمر يجوز تقديمه على الظاهر إذا كان موضعه التأخير فإن قيل ولعل امتناع تقديم النعت إنما وجب من أجل أنه تبيين للمنعوت وتكملة لفائدته فصار كالصلة مع الموصول قلنا هذا باطل لأن الإسم المنعوت يستقل به الكلام ولا يفتقر إلى النعت افتقار الموصول إلى الصلة ومما يبين لك أن الفعل العامل في الإسم لا يعمل في نعته إذ النعت صفة للمنعوت لازمة له قبل وجود الفعل وبعده فلا تأثير للفعل فيه ولا تسلط له عليه وإنما التأثير فيه للإسم المنعوت إذ بسببه يرفع وينصب وإن لم يجز أن تكون الأسماء عوامل في الحقيقة وهذا بخلاف الحال لأنها وإن كانت صفة كالنعت وفيها ضمير يعود إلى الإسم فإنها ليست بصفة لازمة للإسم كالنعت وإنما هي صفة للإسم في حيز وجود الفعل خاصة فالفعل بها الإسم من الإسم فعمل فيه دونه فلما عمل فيها جاز تقديمها عليه نحو ضاحكا جاء زيد وجاء ضاحكا زيد وتأخيرها بعد الفاعل لأنها كالمفعول يعمل الفعل فيها والنعت بخلاف هذا كله وسنبين بعد هذا إن شاء الله فصلا عجيبا في أن الفعل لا يعمل بنفسه إلا بثلاثة أشياء الفاعل والمفعول به والمصدر أو ما هو صفة لأجل هذه الثلاثة في حيز وقوع الفعل ويخرج من هذا الفصل ظرفا المكان والزمان والنعوت والإبدال والتوكيدات وجميع الأسماء المعمول فيها ونقيم هنالك البراهين القاطعة على صحة هذه الدعوى
الكتاب : بدائع الفوائد المؤلف : محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد الله الناشر : مكتبة نزار مصطفى الباز - مكة المكرمة الطبعة الأولى ، 1416 - 1996 __________________ | |
|