أرجو رحمتك مشرف
عدد المساهمات : 91 تاريخ التسجيل : 26/02/2010
| موضوع: حكم الاستدلال بغير المحفوظ من الحديث السبت فبراير 27, 2010 12:34 pm | |
| رواية الحديث بالمعنى
سائلة تسأل:
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
أحسنالله إليكم ، أخت تسأل و تقول أنها في بعض الأحيان تستدل بأحاديث صحيحة لكنلا
تأتي بلفظِ كاملا الحديث لأنها لا تحفظه و هذا يحدث لها كثيرا.
أولا بماذاتنصحونها؟ ، ثانيا هل يُعتبر هذا كذبًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
أفتونا مأجورين.
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد: فلا خلاف بين أهل العلم في أن رواية الحديث بلفظه المسموع منه صلى الله عليه وسلم؛ هوالأصل الذي ينبغي لكل راوٍ وناقل أن يلتزمه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. وكذلك إن لم يكن الراوي عالماً بالألفاظ خبيراً بما يحيل معانيها لم تجز له الرواية لما سمعه بالمعنى بلا خلاف بل يتعين اللفظ الذي سمعه.
واختلفوا: هل يجوز رواية الحديث بالمعنى أم لا بد من اللفظ نفسه ؟ فمنع فرق الرواية بالمعنى مطلقاً ، وألزموا أنفسهم وغيرهم بأداء اللفظ كما سُمِع، فقالت طائفة من أهل الحديث والفقه والأصول: لا يجوز إلا بلفظه وإليه ذهب ابن سيرين وثعلب وأبو بكر الرازي من الحنفية وروى عن ابن عمر.
وأجاز بعضهم رواية الحديث بالمعنى ؛ باختلاف بعض الألفاظ مع بقاء المعنى وعدم تحريف المعنى.
وقد رخص في سوق الحديث بالمعنى دون سياقه على اللفظ جماعة منهم على وابن عباس وأنس بن مالك وأبو الدرداء وواثلة بن الأسقع وأبو هريرة رضي الله عنهم ثم جماعة من التابعين يكثر عددهم منهم إمام الأئمة الحسن البصري ثم الشعبي وعمرو بن دينار وإبراهيم النخعي ومجاهد وعكرمة نُقل ذلك عنهم في كتب سيرهم بأخبار مختلفة الألفاظ، وقال ابن سيرين: "كنت أسمع الحديث من عشرة المعنى واحد والألفاظ مختلفة".
وكذلك اختلفت ألفاظ الصحابة في رواية الحديث عن رسول الله فمنهم من يرويه تاماً ومنهم من يأتي بالمعني ومنهم من يورده مختصراً وبعضهم يغاير بين اللفظين ويراه واسعا إذا لم يخالف المعنى وكلهم لا يتعمد الكذب.
وعن شعيب بن الحجاب قال: "دخلت أنا وعبدان على الحسن فقلنا: يا أبا سعيد! الرجل يحدث بالحديث فيزيد فيه أو ينقص منه" قال:
"إنما الكذب من تعمد ذلك".
عن جرير بن حازم قال ((سمعت الحسن يحدث بأحاديث الأصل واحد والكلام مختلف".
وعن ابن عمون قال: "كان الحسن وإبراهيم والشعبي يأتون بالحديث على المعاني".
وعن أويس قال: "سألنا الزهري عن التقديم والتأخير في الحديث فقال هذا يجوز؛ إذا أصيب معنى الحديث فلم يحل به حراما ولم يحرم
حلالا فلا بأس".
وقد روى عن عمران بن مسلم قال رجال للحسن يا أبا سعيد إنما تحدث بالحديث أنتَ أحسن له سياقا وأجود تحبيراً وأفصح به لسانا منه إذا حدثنا به، فقال: "إذا أصيب المعنى فلا بأس بذلك".
وقال جمهور السلف والخلف من الطوائف منهم الأئمة الأربعة يجوز بالمعنى في جميع ذلك إذا قطع بأداء المعنى لأن ذلك هو الذي يشهد به
أحوال الصحابة والسلف ويدل عليه رواياتهم اللفظة الواحدة بألفاظ مختلفة.
وقد ورد في المسألة حديث مرفوع رواه ابن منده في "معرفة الصحابة" والطبراني في "الكبيرة" من حديث يَعْقُوبُ بن عَبْدِ اللَّهِ بن سُلَيْمَانَ
بن أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَا لَهُ: بِآبَائِنَا أَنْتَ، وَأُمَّهَاتِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَسْمَعُ
مِنْكَ الْحَدِيثَ , فَلا نَقْدِرُ أَنْ نُؤَدِّيَهُ كَمَا سَمِعْنَاهُ؟ فَقَالَ:"إِذَا لَمْ تُحِلُّوا حَرَامًا، وَلَمْ تُحَرِّمُوا حَلالا، وَأَصَبْتُمُ الْمَعْنَى , فَلا بَأْسَ".
فذكرت ذلك للحسن فقال" "لولا هذا ما حدثنا".
وقد استدل الشافعي لذلك بحديث (أنزل القرآن على سبعة أحرف). وروى الطبراني في "الكبير" عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا، وَأَبُو
الأَزْهَرِ، على واثلة بن الأسقع، فقلنا: "يا أبا الأسقع! حَدِّثْنَا بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَيْسَ فِيهِ وَهْمٌ، وَلا
تَزِيُّدٌ، وَلا نِسْيَانٌ، فَقَالَ:هَلْ قَرَأَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْقُرْآنِ اللَّيْلَةَ شَيْئًا؟ فَقُلْنَا: نَعَمْ، وَمَا نَحْنُ لَهُ بِالْحَافِظِينَ جِدًّا، إِنَّا لَنَزِيدُ الْوَاوَ وَالأَلِفَ
ونُنْقِصُ، قَالَ: فَهَذَا الْقُرْآنُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ لا تَأْلُونَ حِفْظَهُ، وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ تَزِيدُونَ وتَنْقُصُونَ، فَكَيْفَ بِأَحَادِيثَ سَمِعْنَاهَا مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَسَى أَنْ لا نَكُونَ سَمِعْنَاهَا مِنْهُ إِلا مَرَّةً وَاحِدَةً، حَسْبُكُمْ إِذَا حَدَّثْنَاكُمْ بِالْحَدِيثِ عَلَى الْمَعْنَى ".
وعن ابن عون قال: "كان الحسن وإبراهيم والشَّعبي يأتون بالحديث على المعاني".
وعن سُفْيان قال: "كان عَمرو بن دينار يُحدث بالحديث على المَعْنى".وعن وكيع قال: "إن لم يَكُن المعنى واسعًا فقد هلكَ النَّاس".
وقال الحافظ ابن حجر في "نزهة النظر": " وأَمَّا الراوية بالمعنى؛ فالخِلافُ فيها شَهيرٌ، والأكثرُ على الجَوازِ أَيضاً، ومِن أَقوى حُججهِم؛
الإِجماعُ على جوازِ شرحِ الشَّريعةِ للعَجَمِ بلسانِهِم للعارِفِ بهِ ، فإِذا جازَ الإِبدالُ بلُغةٍ أُخرى؛ فجوازُهُ باللُّغةِ العربيَّةِ أَولى".
وخلاصة القول: الراجح في رواية الحديث بالمعنى بتغيير كلمة أو كلمتين أو ثلاثة من غير أن يتغير المعنى ولا يتحرف يجوز عند جماهير أهل العلم، واشترطوا لجواز ذلك شروطاً تضمن سلامة المعنى وعدم تحريفه، فقالوا : "نقلالحديث بالمعنى دون اللفظ حرام على الجاهل بمواقع الخطاب ، ودقائق الألفاظ. أماالعالم بالألفاظ، الخبير بمقاصدها، العارف بما يحيل المعاني ويغيرها، البصيربمقدار التفاوت بينها حيث يفرق بين المحتمل وغير المحتمل، والظاهر والأظهر،والعام والأعم، فإنه يجوز له ذلك، وإلى هذا ذهب جماهير الفقهاء والمحدثين .
وقال الشيخ العثيمين: " رواية الحديث بالمعنى ، معناه : نقله بلفظ غير لفظ المروي عنه، وهو يجوز بشروط ثلاثة :
1 - أن تكون مِنْ عارفٍ بمعناه : من حيث اللغة ، ومن حيث مراد المروي عنه.
2 - أن تدعو الضرورة إليها ، بأن يكون الراوي ناسياً للفظ الحديث حافظاً لمعناه ، فإن كان ذاكراً للفظه لم يجز تغييره، إلا أن تدعو الحاجة إلى إفهام المخاطب بلغته.
3 - أن لا يكون اللفظ متعبداً به: كألفاظ الأذكار ونحوها". "مجموع فتاوى ومسائل ابن عثيمين".
هذا والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين،،
كتبه أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي 30/12/ 1431هـ
| |
|