وتحقيق النسبة بين الإرادة الكونية القدرية والإرادة الشرعية الدينية ، أنه بالنسبة إلى وجود المراد وعدم وجوده ، فالإرادة الكونية أعم مطلقا ؛ لأن كل مراد شرعا يتحقق وجوده في الخارج إذا أريد كونا وقدرا ، كإيمان أبي بكر . وليس يوجد ما لم يرد كونا وقدرا ولو أريد شرعا ، كإيمان أبي لهب . فكل مراد شرعي حصل فبالإرادة الكونية ، وليس كل مراد كوني حصل مرادا في الشرع . وأما بالنسبة إلى تعلق الإرادتين بعبادة الإنس والجن لله تعالى ، فالإرادة الشرعية أعم مطلقا ، والإرادة الكونية أخص مطلقا ؛ لأن كل فرد من أفراد الجن والإنس أراد الله منه العبادة شرعا لم يردها من كلهم كونا وقدرا فتعم الإرادة الشريعة عبادة جميع الثقلين ، وتختص الإرادة الكونية بعبادة السعداء منهم ، كما قدمنا من أن الدعوة عامة ، والتوفيق خاص كما بينه تعالى بقوله :{ والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } فصرح بأنه يدعو الكل ، ويهدي من شاء منهم .
وليست النسبة بين الإرادة الشرعية والقدرية العموم والخصوص من وجه ؛ بل هي العموم والخصوص المطلق ،كما بينا ، إلا أن إحداهما أعم مطلقا من الأخرى باعتبار ، والثانية أعم مطلقا باعتبار آخر ، كما بينا والعلم عند الله تعالى .
الكتاب : دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب
المؤلف : محمد الأمين الشنقيطي