السلام عليكم و رحمة و رحمة الله و بركاته
درس العقيدة الأول:
قال المصنف رحمه الله في أول الكتاب، باب معرفة الله عز و جل بالإيمان به.
هذه الجملة فيها بيان أن الإيمان لا يتحقق إلا بعد وقوع المعرفة.
فمعرفة الله و الإيمان به هنا معناها ثم الإيمان به
الإيمان اصطلاحا هو التصديق
و شرعا هو أركان الإيمان الستة، الإيمان بالله و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر و القدر خيره و شره.
الحديث الأول:
ثم قال: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: \"قال الله: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه\" صحيح مسلم: كتاب الزهد والرقائق (2985)
هذا الحديث رواه الإمام مسلم رحمه الله و هو أول حديث تصدر به المصنف هذا الكتاب
و فيه عدة مسائل:
أولها أنه يدل على أنواع الشرك و انقسامه
الثاني أنه يدل على أن الربوبية من الإيمان
الثالث أنه يدل على أن توحيد الإلوهية من الإيمان
الرابع أنه يدل على أن من عمل عملا فيه غير الله فهو شرك
1/توحيد الربوبية من الإيمان:
و هذه نلحظها في قول الله عز و جل على لسان النبي صلى الله عليه و سلم \"أنا أغنى الشركاء عن الشرك\"
فمن كمال ربوبيته أنه أغنى الشركاء لأن الله سبحانه و تعالى وحده دون من سواه لا يقبل أن يكون معه رب في أنواع تصرفات الربوبية.
و هذه هي فوائد هذا الحديث أي إثبات أن الربوبية من الإيمان لأن كثيرا من أهل البدع يقولون أين قال النبي أو أين قال الله بتوحيد الربوبية؟ آتني بآية تقول بتوحيد الربوبية أو بحديث يقول بتوحيد الربوبية؟
فنرد عليهم بان من اخذ الدليل من القرآن و السنة فقط فهذا جهل و لكن هناك أشياء أخرى نأخذ منها الأدلة كالاستنباط و القياس و إجماع العلماء و المفهوم و المنطوق كل هذا تأخذ منه الأدلة.
فنقول أن إثبات الربوبية من الإيمان كما قال النبي صلى الله عليه و سلم \"قال الله: أنا أغنى الشركاء عن الشرك\". فمن كمال ربوبيته أنه أغنى الشركاء و لا يقبل معه شريكا جل في علاه.
و الربوبية هي إفراد الله عز و جل بصفاته هو، و قد فصلنا فيها الكثير و لكن نقول فيها إجمالا أنها إفراد الله عز و جل بصفاته الخاصة كالخلق و الإحياء و الإماتة و الضر و النفع و الإشقاء و التدبير... سبحانه و تعالى يخفض و يرفع ، يعطي و يمنع، يعز و يذل... هذه كلها أفعال الرب سبحانه و تعالى التي يجب أن يوحد بها المسلم ربا لا شريك له .
2/كذلك قلنا، يدل على أن توحيد الإلوهية من الإيمان:
كما قال الله عز و جل على لسان النبي صلى الله عليه و سلم \"من عمل عملا أشرك فيه معي غيري\"
فمن وحدانيته سبحانه و تعالى في إلهيته أنه يتصرف في الكون بمفرده سبحانه و تعالى و لا يقبل معينا.
كما قال الله تعالى: \" لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ \" (الأنبياء -22)
و قال تعالى: \" مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ٍ\" )المؤمنون-91(
و توحيد الإلهية هو إفراد الله سبحانه و تعالى بأفعال العباد كالصيام و الصلاة و الدعاء و الحج و النذر و الحلف و الخوف و الرجاء و الاستعانة و الاستعاذة... إلى آخر هذه العبادات التي يفعلها المسلم بنفسه و سواء كانت عبادات قلبية أو بدنية أو مالية.
لذلك شيخ الإسلام بن تيمية لما عرف العبادة قال: العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة. *
فكل هذه العبادات سواء كانت قلبية أو بدنية أو مالية يجب أن يفرد بها الله عز و جل وحده لا شريك له.
العبادات البدنية هي التي تظهر على البدن و تفعلها المسلم ببدنه.
و العبادات القلبية هي التي تكون بالقلب كالحب و الخوف و الرجاء و الإنابة و الصبر و الإخلاص و التوكل و الإخبات لله سبحانه و تعالى
و العبادات المالية هي التي تظهر على الأموال كالحج و الزكاة و الصدقة و الإنفاق في سبيل الله عز و جل.
*كتاب العبودية لشيخ الإسلام بن تيمية.
3/من وقفات الحديث الشرك:
كما قال الله عز و جل على لسان النبي صلى الله عليه و سلم \"أنا أغنى الشركاء عن الشرك\"
و الشرك بالله عز و جل ينقسم إلى نوعين:
شرك أكبر و شرك أصغر.
الشرك الأكبر: الشرك الذي لا يغفره الله سبحانه و تعالى إلا أن يتوب صاحبه فمن تاب منه في الدنيا تاب الله عليه و من لم يتب منه في الدنيا و مات عليه مات كافرا مخلدا في النار لا يخرج منها أبدا و لا يدخل الجنة.
كما قال الله عز و جل: )إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (41) ( )الأعراف-40 و 41(
الشاهد في الآية أنهم لن يدخلوا الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط، فكما أن الجمل استحالة أن يمر من ثقب الإبرة كذلك هؤلاء استحالة أن يدخلوا الجنة.
و قال الله عز و جل: )لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) ( )المائدة- 72(
إذا فالحديث يتكلم عن الشرك الأكبر لأن كلمة الشرك عموما إذا أطلقت دون تقييد في القرآن أو السنة فالمراد منها الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله عز و جل و إذا جاءت مقيدة بكلمة الأصغر فتحمل على الشرك الأصغر الذي يغفره الله عز و جل و إن مات صاحبه و لم يتب منه.
فقال الله عز و جل: ) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48) ( )النساء -48(
الآية بينت أنواع الشرك: شرك يغفره الله و شرك لا يغفره.
و يغفر ما دون ذلك: سواء كان الشرك معاصي أو كبائر أو ما شابه ذلك حتى و إن لم يتب منه صاحبه قبل أن يموت.
فأعظم الذنوب هو أن تجعل لله ندا و هو خالق و هو الشرك الأكبر.
الشرك الأكبر لا يغفره الله تعالى إلا بالتوبة و من أمثلته الاستعانة و الصلاة و الذبح و الدعاء و الاستغاثة و ما شابه ذلك.
أما الشرك الأصغر فيدخل فيه الرياء و الحلف بغير الله أو كما يقال ما شاء الله و شئت أو توكلت على الله و عليك و ما شابه ذلك.
لقد خلق الله الإنسان حنيفا، و الحنيف هو المعرض عن الشرك المائل إلى التوحيد.
كما قال الله عز و جل: ) وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)( )النساء-125(
و قال تعالى: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) )النحل-120(
فالحديث فيه بيان لعقيدة أهل السنة و الجماعة.
فالأصل في العقيدة كما قلنا الكتاب و السنة و السنة بينت هنا أن الله أغنى الشركاء عن الشرك و أن من عمل عملا يريد به غير الله لا يغفره الله و يتركه و لا يقبل عمله.
بين الحديث كذلك أن الأصل هو عقيدة أهل السنة و الجماعة بإثبات الصفات لله سبحانه على خلاف المبتدعة. و المبتدع، ما يقول به العقل يثبته و ما ينفيه العقل ينفيه و هذا خطأ لأن مصدر العقيدة هو القرآن و السنة لا ثاني لهما.
الحديث الثاني:
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: \"قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات. فقال: إن الله تعالى لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل. حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه\" رواه مسلم
و هذا أيضا حديث عظيم و أصل من أصول أهل السنة و الجماعة في المعتقد و يتمثل ذلك في أن الله لا ينام و لا ينبغي له أن ينام يخفض القسط و يرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار و عمل النهار قبل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه.
نقول في هذا الحديث و الإيمان بذلك أن من لم يأت بالأسماء و الصفات يكون عنده خلل في العقيدة و لذلك نقول قول الله عز و جل: وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) )فصلت-22 و 23(
و قد نزلت هذه الآية في من شك في صفة السمع لله عز و جل كما قال ابن مسعود: اجتمع عند البيت ثلاثة نفر. قرشيان وثقفي. أو ثقفيان وقرشي. قليل فقه قلوبهم. كثير شحم بطونهم. فقال أحدهم: أترون الله يسمع ما نقول؟ وقال الآخر: يسمع، إن جهرنا. ولا يسمع، إن أخفينا. وقال الآخر: إن كان يسمع، إذا جهرنا، فهو يسمع إذا أخفينا. فأنزل الله عز وجل: {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم} [41 /فصلت /22] الآية. متفق عليه
فهذه الآية بيان أن من شك في صفة الله عز و جل يكفر
قال تعالى: وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24) )فصلت-23 و 24(
و أرداكم أي أهلككم
الشيخ جاء في أول الأحاديث ببيان معتقد أهل السنة و الجماعة من توحيد الربوبية و الإلهية و الأسماء و الصفات و أنهم من أصول الإيمان في قوله تعالى على لسان النبي صلى الله عليه و سلم إن الله تعالى لا ينام
و بهذا يستدل المصنف على أن هذا النوع من أنواع التوحيد ضمن الإيمان بالله تبارك و تعالى ألا و هو توحيد الأسماء و الصفات
الأسماء و الصفات عامة عرفها شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية قال نؤمن بكل ما وصف الله به نفسه و كل ما وصفه به رسوله صلى الله عليه و سلم من غير تعطيل و لا تحريف و لا تكييف و لا تمثيل.
و التعطيل هو النفي و التحريف سواء كان لفظيا أو معنويا و سيأتي إن شاء الله بيان الفصل في هذا التعريف و التكييف اعتقاد كيفية معينة لذات الله عز و جل و التشبيه أو التمثيل هو إن تمثل صفة من صفات الله عز و جل بصفة المخلوق بكيفية معينة أو يشبه بها مخلوق من مخلوقاته سبحانه و تعالى كما قال الله: )لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ( )الشورى-11 ( في المماثلة.
و الصفات نوعان، صفات ذاتية و صفات فعلية.
الصفات الذاتية هي صفات تتعلق بذات الرب سبحانه و تعالى و غير متعلقة بالمشيئة، يعني لا نستطيع أن نقول الموت. فالله عز و جل لا يموت بل هو الحي سبحان و تعالى و لا يمكن أن نقول أن الموت صفة فعلية لله عز و جل. يقول لك لماذا؟ أليس الله بقادر على كل شيء؟ تقول بلى فيقول إذا كان قادرا على أن يموت فقد مات.
و هذا خطأ لأن هناك صفات ذاتية تتعلق بذات الله عز و جل و غير متعلقة بالمشيئة. كذلك لا يمكن أن نقول يسمع إذا شاء و إن لم يشأ لا يسمع فصفة السمع إذا صفة ذاتية. و صفة البصر و صفة القدرة و صفة الحياة و المشيئة و صفة النزول... كذلك صفة النوم تنفى عن الله عز و جل فالله لا ينام لأن القيومية و كمال الحياة تنافي تماما أن ينام فالله عز و جل لا ينام و لا ينبغي له أن ينام و هذا تأكيد لكمال قيوميته و كمال حياته قال تعالى: )اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ( )البقرة-255 ( و النوم و السنة هي الغفلة فالله لا ينام لكمال قيومته و هذا النفي يثبت كمال الضد لأن النفي المحض ليس كمالا. فلا ينام ليس نفيا محضا لذلك نقول لا ينام و لا ينبغي له أن ينام. كذلك لا نقول أن الله لم يتخذ ولدا و نسكت بل يجب أن نقول لم يتخذ ولدا و لا ينبغي له ذلك حتى يكون نفيا محضا.
على قاعدة أن النفي المحض ليس كمالا. و إذا جاء النفي في الكتاب و السنة فيقصد به إثبات كمال الضد. فهذه الكلمة معناها إثبات كمال الضد و هو القيومية و الحياة و هذا من كماله سبحانه و تعالى.
يقول صلى الله عليه و سلم: إن الله تعالى لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه قال أكثر من واحد من علماء السنة يقصد بالقسط في هذه الآية عدل الله في الميزان يوم القيامة فلا يظلم احد، لقوله تعالى: ) وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا( )الأنبياء-47(
فظاهر هذا الحديث أن القسط هو الميزان و الله يخفض الميزان و يرفعه كما يليق به جل و علا.
حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه
سبحات الوجه هي نور الوجه الذاتي اللاهي.
إذا في الحديث إثبات لصفات الله عز و جل و هي كمال الحياة و القيومية و هي ضد النوم كذلك أن الميزان بيد الله عز و جل يخفضه و يرفعه أنه يرفع إليه سبحانه و تعالى عمل الليل قبل النهار و عمل النهار قبل الليل و في ذلك بيان لوجوب الاستحياء من الله عز و جل. فإذا عرفت أن عمل الليل يرفع قبل عمل النهار و عمل النهار يرفع قبل عمل الليل فيجب على الإنسان أن يستحيي أن يرفع إلى الله ما يغضبه عليه سبحانه. فنسال الله عز و جل أن يتوب علينا و أن يغفر لنا ما تقدم و ما تأخر.
جاء في الصحيح عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: \"إِنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللّيْلِ، لِيَتُوبَ مُسِيءُ النّهَارِ. وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنّهَارِ، لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللّيْلِ. حَتّىَ تَطْلُعَ الشّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا\". رواه مسلم
فالله يبسط يده بالليل و النهار حتى إذا ما صعدت إليه الأعمال و العبد تاب يتوب الله عليه.
هذا الحديث فيه بيان لصعود الأعمال إلى الله عز و جل و فيه كذلك إثبات لصفة العلو لأنه صلى الله عليه و سلم قال، يرفع إليه عمل الليل قبل النهار، وعمل النهار قبل الليل. لقوله صلى الله عليه و سلم يرفع و لم يقل يذهب أي أنه يصعد.
و هذا فيه رد على من يقول بان الله في الأرض و أن الله يحل في المخلوقات حاشى لله عز و جل فالله سبحان في السماء فوق عرشه لا ينزل قط إلى الأرض و آخر نزوله سبحان إلى السماء الدنيا. و إن ألقى أحدهم شبهة فقال الم يقل الله سبحانه و تعالى : )وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ( )الأنعام-3(
و )وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ( (الزخرف-84)
نقول له نعم و لكن نرد على هذه الشبهة فنقول لقد أجاب علماء السنة بان الله في السماء بذاته و في الأرض بعلمه و إحاطته و قدرته في الخلق و البشر و في الأرض كذلك بعلمه و سلطانه و معيته مع البشر فلا يمكن أن ينافي القرآن بعضه بعضا و لا نستطيع أن نكذب بما في القرآن. لذلك نقول نعم الله في السماء اله و في الأرض اله و لكن ليس بذاته و إنما بسلطانه و ملكوته و كبريائه و عظمته و تأييده و معيته التي يكون بها سبحانه مع البشر.
فبيان العلو لله في الحديث لقوله يرفع إليه العمل أي يصعد و في صعوده إثبات للعلو و رد على الحلولية و الاتحادية الذين يقولون بان الله في كل مكان و منهم من يقول بان الله حاشى لله سبحانه في الكلب و الخنزير و الحمام و منهم من يقول ما الكلب و الخنزير إلا اله و قال احدهم أن الله أحل في الأرض و هو ذائب ذوبان الملح في الماء تنزه الله جل في علاه عن كل ذلك. و لكن نقول بأنه سبحانه في الأرض بملكوته و سلطانه و عظمته ... إلى آخر ما قلناه.
و في هذه الأحاديث بيان لمعتقد أهل السنة و الجماعة.
[/[u